تُقرع أجراس الحزن داخل القلوب الموقنة وتُحمى نيران الدموع المترقرقة، فمحرم اقترب والمخلصون للحسين تأهّبوا لملاقاة الفاجعة، فهم لا زالوا منتظرين هلاله المشؤوم من عامهم الفائت، كلٌ منهم منزوٍ بلهب قلبه ليُحضّر للعالم صرخةً تصمُّ الآذان لفجر عاشوراء!
فترى الشاعر هنا انقطع عن العالم إلا عن أوراقه وحبره لكي يقترب من الحسين درجةً ويبتعد عن جهل الناس درجات، وذاك الرادود تراه غيّر فرحه إلى مُصاب لكي لا يأتي هلال المحرّم وهو غير قادر على إزالة قلبك من مكانه حزناً.
هكذا ترى ديدن جميع الصادقين في خدمتهم، كبيرهم، صغيرهم ابتعدوا عن ضوضاء البشر وثرثرتهم البالية ليختلوا بالعش ولوعات الحزن المهيب، حتى إذا اطلّ هلال الفاجعة رفعوا رؤوسهم من صوامع الأشجان ليسقوا غيرهم دموعاً حارقة.
ويا للأسى فما زال النفاق مستشرٍ في قلوب الكثير فما يلبث بعضهم أن يرى خادماً للحسين ناطقاً حتى آذاه ولا شعيرةً للحسين قائمةحتى حاول جاهداً دثرها واختراع دليلٍ على بطلانها،
هنا وددتُ طرح بعض الأسئلة على كل شخصٍ يحارب الخدمة والشعائر فربما انتبه من غفلته!
1/شعيرةُ الإطعام
في الآونة الأخيرة كثُر الحديث والضجيج حول هذه الشعيرة المقدسة والمُخزي أن صوت الباطل اعتلى وبدأ أكثر الناس بالإنصات إليه فبعضهم قال أن التوزيع والإكثار منه في المآتم من مظاهر الإسراف فبدل أن يُوزّع صحناً من الأرز فليُكتفى بقطعة حلوى..ويجب تقليل أنواعٍ كثيرة من المأكولات وصرف الأموال المتبقية في الجمعيات الخيرية !
حسناً..عزيزي صاحب هذا الكلام ومن يتناقله
- أكثر (المضائف) الآن توزّع افخر الأطعمة وفي غضون ساعة أو ساعتين ينفذ الطعام ! ،وأكثر الذين ينادون بالكف عن الإسراف هم الذين يأخذون من هذا الطعام، وعندما ينوون هم الإطعام فيقدّمون للحسين من أرخص مالهم وتلك الأطعمة التي لا يرغبها الناس
الإسراف ليس في الكثرة، فإذا قدّمت للحسين بحسن نية وأفضل ما تملك فلن يُرمى شيء وسوف يزداد خيرك.
- لو كانت ذاهباً لأحد الأمراء هل سوف يكتفي بتقديم صنفٍ واحد وبسيط ؟ بالطبع لا، فما بالك بالحسين وكرمه ولو كنت حاضراً زمانه وزرته كيف سيكرمك؟. لو آمنت بأنه حيٌ معنا فلا يحق لك الاعتراض على ما يعطيه لضيوفه وزوّاره !
- عندما يأتي أحد المؤمنين بمال كثير للمأتم ويقول أن هذا لشراء الطعام، فهل سألت أحد العلماء هل يجوز التصرّف في ما تبقّى من المال في سبيل الجمعيات الخيرية والصدقات؟. فلا يوجد مجال للتقريب بين الأثنين
2/لبس السواد
- يقول ضِعافُ الإيمان أن لبس السواد طيلة شهري محرم وصفر لا يتعدّى كونه تخلّفاً، نعم فلقد أصبح الحزن على الحسين تخلّفاً أما الجزع على آبائهم واجب!
الا ترى مراجعنا العِظام وقدوتنا يكتسون السواد طيلة الشهرين؟ دعك منهم فهم بنظرك متخلّفين، لكن ماذا عن صاحب الزمان يا مُنتَظِر الفرج ؟
- كما يقولون أيضاً أن الحزن في القلب فلا داعٍ للبس السواد، والسؤال لماذا تلبسه عندما تفقد أحد أهلك؟
إذا لم تُرِد لبس السواد فأنت حُر وليس واجباً شرعياً هذا، لكن دع غيرك وعشقهم.
3/شعيرة البكاء
- لن ينفع البكاء في شيء فالحسين موعظةٌ وعِبرة، فلنكتفي بالمحاضرات فقط وما من داعٍ للبكاء والصراخ الذي تُحدثونه..هكذا قالوا !
أينك من قول الحسين (ع) عن نفسه “أنا عبرة المؤمنين” ؟، لماذا لا تقرأ عن فضل الدموع عن الحسين ولا تسأل عن أول من بكاه !
4/شعيرة التطبير
هنا، هنا الصاعقة التي تحل على أفئدة الكثيرين فأنا ربما أخرج عن الملة إن قلت دعوا المطبّرين وشأنهم !
المشكلة عند البعض أنه لا يقرأ فتوى مرجعه حتى، فيبدأ بمحاربة المطبرين ووصفهم بأوصاف هم أرفع منها ومنه أيضاً، ثم إذا قلت له أن مرجعك يجوّز هذا يقول أنه رغم ذلك لا يؤيد التطبير. نعم لأننا أصبحنا نأخذ ما يتناسب وأهوائنا من الدين.
- قولهم أن ليس كل الذين يتحدثون عن التطبير يطبّرون
هل أنت تراقبهم جميعاً وتعلم أيهم طبّر وأيهم لا؟، ثم ما الضير لو دافع أحدهم عن هذه الشعيرة ولم يطبّر؟ ربما يوجد لديه عائق يحول دون ذلك فلا يوجد لديه سوى الدفاع !
إذا كنت لا تحب أو (لا تؤيد) فابقَ صامتاً ولا تتهم العلماء المجوّزين ثم تتبلى على المطبّرين بأنهم شتموا علماءك، أنت هكذا لا تبيّن إلا ضعفك وصغرك.
ينقل العلامة المجلسي في بحار الأنوار هذه الرواية “سأل عبدالله بن رباح القاضي أعمى عن عمائه فقال : كنت حضرت كربلاء وما قاتلت ، فنمت فرأيت شخصاً هائلا قال لي : أجب رسول الله! فقلت : لا أطيق ، فجرَّني إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فوجدته حزيناً وفي يده حربة ، وبسط قدّامه نطع ، وملك قبله قائم في يده سيف من النار ، يضرب أعناق القوم ، وتقع النار فيهم فتحرقهم ، ثم يُحيون ويقتلهم أيضاً هكذا ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله ، والله ما ضربت بسيف ، ولاطعنت برمح ، ولا رميت سهماً ، فقال النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ألست كثَّرت السواد ؟ فسلَّمني ، وأخذ من طست فيه دم فكحَّلني من ذلك الدم ، فاحترقت عيناي ، فلمَّا انتبهت كنت أعمى”
هذا اللعين لم يحارب في كربلاء ومع ذلك عوقب كالقتلة لأنه ساعدهم وزاد عددهم.
أخي المؤمن محاربة شعائر الحسين هي مساعدة لاعداءه على محو ثورته فلا تزل قدمك وتحارب الحسين معهم ،بدل أن تصبح سيفاً في يد الحسين سوف تصبح سيفاً مسلولاً في وجهه !
تعقيباً وإثراءً للموضوع
رداً على من يقول : لماذا ﻻ يتم توفير المبلغ المستهلك في عملية إطعام المعازين لصالح الفقراء؟
الجواب : ” بنفس المنطق ”
لماذا في زواجك وزواج من هم من أقربائك وعائلتك ﻻ تكتفي بالتبريكات وتوفر مبلغ الضيافة للفقراء ؟
لماذا ﻻ توفر مبلغ حفلة النساء في الزواج لصالح الفقراء ؟
لماذا ﻻ توفر مبلغ اقامة مجلس الفاتحة عندما يتوفى قريب لك لصالح الفقراء ويكون ثواباً وعملاً صالحاً لك ولروح المتوفي ؟
لماذا ﻻ تقتصد في أكلك في شهر رمضان وتوفر المبلغ لمن هم في أمس الحاجة له ؟
لماذا تسافر سفرات ترفيهية وهناك عوائل تحتاج مساعدة ؟ لماذا الإسراف في مصروف السفر من تذاكر وسكن ومواصلات و … ؟
لماذا الإستنكار فقط على شعائر الإمام الحسين عليه السلام ؟ لما ﻻ تستنكر كل هذه الأفعال على نفسك فأنت من تقوم بها.
ﻻ أعلم سبب الربط بين الإطعام والفقراء !!
علماً بأن هناك جهات عديدة ترعى شؤون الفقراء والكل يساهم فيها ، منها الصناديق الخرية، والمبرات، و وزارة الشؤون ، والأعمال الفردية لجمع الأمور في حالة الطوارىء كالعلاج وما شابه.
هل رأى أحداً منك فقيراً ميتاً من الجوع وفي مقابله مضيف يرمي بقايا الطعام ؟!!!!
وهل الفقراء ممنوعين من الإستفادة من المضائف ؟
المضائف والإسراف :
ليس هناك حالة إسراف في المضائف المنتشرة ولم نرى طعام زائد ملقى في الزبالة مصدره المضائف، بل على العكس هناك شح نوعاً ما، كثير من الأحيان تذهب للمضائف لطلب الموجود للبركة فيخبرونك بأن الطعام انتهى فأين هو الإسراف ؟!!
وإن وجد هناك إسراف في أحد المضائف فهي حالة فردية وعابرة أيضاً بسب خطأ ربما في الحسابات أو بعض التغييرات، مثال: سقوط المطر الغزير ربما يؤدي إلى قلة المشاركين العزاء فيكون الطعام زائداً على المعزين، وفي هذه الحالة هناك عدة علاجات للطعام الزائد:
1- توزيع الطعام على الجاليات الآسيوية لربطها أكثر بالإمام الحسين عليه السلام.
2- توزيع الطعام على الأهالي لإستخدامه في اليوم الثاني.
ربما البعض يرى كثرة المضائف يتصور بأن المضائف تقدم طعام زائد عن الحاجة !
انتشار المضائف هو من باب توزيع الحمل والمشاركة في تحمل التكلفة ليس أكثر، فإذا كان موسم شهر محرم الحرام يدون مضائف يستهلك 10 آلاف دينار مثلاً للإطعام في كل عام و يتحمل هذه التكلفة المآتم الحسينية ، فإن شهر محرم الحرام مع المضائف سوف يستهلك 10 آلاف دينار ولكن سوف يتم تقسيم الأدوار والتكلفة بين المضائف المنتشرة والمآتم ، وبالتالي تستطيع المآتم استغلال المبالغ التي كانت مخصصة للإطعام في أمر أخر في المأتم.
المضائف وتأثيرها على الحضور في المآتم:
لو صح هذا الإدعاء فنقول بأن المضائف عندما تفتح فهي ﻻ تجبر مرتاديها أن ﻻ يشاركوا في المجالس فمن أراد المشاركة في مجالس العزاء فلن يمنعه المضيف الذي ﻻ يستغرق مدة الأكل فيه 10 دقائق على أكثر تقدير.
من المعيب جداً أن يتم تصوير الناس بأنها تلهث وراء الأكل تاركةً حضور المجالس الحسينية وهذا هو التشويه لقضية الإمام الحسين عليه السلام بعينه وبذاته، فهل الناس أسكنها الفقر في مساكنها لهذه الدرجة لكي تدير وجهها عن حضور المجالس الحسينية وتتجه بلهفة نحو الأكل ؟!! هنا تشبيه باطل بالذين لم ينصروا الإمام الحسين عليه السلام ونصروا يزيد بسبب دراهم معدودة ، لمثل الحسينين الشرفاء يقال لهم هذا الكلام بأنهم تركوا المجالس لأجل الطعام ؟!!
ولو فرضنا جداً بأن المضائف تسبب تزاحم في وقتها مع وقت المجالس الحسينية، فالعلاج بسيط جداً يمكن أن يتم تعديل وقت افتتاح الطعام ، او تجميد عمل المضيف لحين الإنتهاء من القراءة وليس إلغاء المضيفات ، فهل التزاحم في أوقات القراءة في بعض المآتم وتضارب الأوقات يؤدي بنا إلى إلغاء أحد المجلسين ؟!! إن كان هناك مجال للتأجيل في أحد المجلسين فبها وإلا فلا.
والصحيح كما شاهدنا وكما خبرناه هو أن كل المآتم ممتلئة بالحضور وتغص عن بكرة أبيها حتى وإن كان هناك ضعف في مستوى الخطيب فالناس تحضر بكل أريحية طلباً للأجر والثواب، فلم نرى مجلساً في شهر محرم غير عامر فدونكم المآتم فلتزوروها ولتنظروا بأم أعينكم.
لو فرضنا تم ألغاء المضائف الحسينية وقامت المآتم بتحمل كل هذا العبىء ماذا سوف يحدث ؟
1- زيادة المصروفات على المآتم وهو في أمس الحاجة إليها لتطوير أنشطة المآتم، بعكس لو تم توزيع المهمة فسيتم توزيع التكلفة.
2- عودة المنظر الغير حضاري وهو الزحام والإزدحام على مضيف المأتم، بعكس الحالة الحضارية السائدة الآن وهي الأريحية في طلب الطعام واستلامه.
3- عودة مشكلة القيل والقال وبأن الطعام غير كافي للحضور، وبأن هناك محسوبيات في توزيع الأكل، وأن هناك شكوك في أين يذهب الطعام !
المضائف والعتبات المقدسة
هناك مضائف للزوار في معظم العتبات المقدسة مثل العتبة الحسينية والعباسية والجوادين والعسكريين وفي مشهد الرضا عليهم السلام.
في مشهد الإمام الرضا يتم توزيع الطعام على الزائرين بشكل يومي طوال العام، وفي العتبة الحسينية والعباسية وربما الكاظيمة والعسكريين يتم توزيع الطعام على الزائرين بشكل يوم في أيام الزيارت .
كل هذه المضائف تقع في بلدان فقيرة مثل العراق وإيران، وهناك أرامل وأيتام وفقراء أسكنهم الفقراء ويعيشون حالة السغب، وهذه البلدان تمتلىء بالعلماء الأجلاء ولم نسمع منهم دعوى لترشيد الصراف على طعام الزائرين وأن هناك أيتام وأرامل وفقراء هم أولى بها أو أن هناك مشاريع تنويرية ونهضوية تحتاج إلى مثل هذه المبالغ.
فقط في البحرين تجد المتفذلكين الفقهاء ينادون بمثل هذا النداء العجيب الغريب وهو إلغاء شعيرة من شعائر الإمام الحسين عليه السلام !
ﻻ نعلم، ربما تأتي الأيام ويخرج مثل هؤﻻء ليقولوا لما أنتم تذهبون لزيارة الإمام الحسين عليه السلام في كل عام في الأربعين و الرجبية والشعبانية لما ﻻ تعطوا مصاريف السفر إلى هؤﻻء الفقراء ؟!
وربما سيدعون إلى إلغاء فريضة الحج والعمرة بدعوا وجود فقراء ومشاريع نهضوية هي أولى من ذهابكم للحج، حقق النظر وسترى مثل هذه المقوﻻت ﻻ تخرج إلا من مَن هم أشد المسرفين في سفرهم الترفيهي وفي ملبسهم ومسكنهم ومركبهم ولكن فقط سهامهم نحو الإمام الحسين عليه السلام.
أحصاء: يستقبل مضيف الإمام الرضا عليه السلام كل يوم حوالي 3 آلاف ضيف ماعدا الأيام الباردة في الشتاء فهو يستقبل حوالي ألفين ضيف بشكل يومي طوال العام، علماً بأن المضيف يفتح ظهراً وليلاً ، كما أنه يوفر وجبات لحوالي 700 شخص يعملون في الحرم.
مضيف العتبة العباسية يقدم وجبة طعام يومياً بمعدل 1500 وجبة ، ويقدم أيضاً وجبات مجانية لمئات العاملين في خدمة الحرم.
ملاحظة: الإحصاءات مستخرجة من المواقع الرسمية للعتبة الرضوية والعباسية.